الرئيسية / غير مصنف / خريطة أصدقاء سورية الأعداء

خريطة أصدقاء سورية الأعداء

…. /  الكاتب : نجم الدين سمان

فلمّا استفاق جحا السوريّ رأى حماره يتأمّل في خريطة للعالم، مَفرودَةٍ على الأرضِ أمامَه؛ فسألهُ: – ما تفعلُ منذ الصباح، يا فتّاح يا عليم؟

قال حِمَارَويه مِن غيرِ أن يلتفت إلى صاحبه: – أتأمّلُ أطلسَ العالم، وبخاصةٍ دولَ أعدِقَاء الشعبِ السوريّ؛ فتعالَ بِقُربي؛ لأعرِفَ أينَ تقع.

ثمّ وَضعَ حافِره على الخارطة قائلًا: – فما هذهِ الدولة؟

أجابَهُ جحا: – هذه أميركا؛ زعيمةُ أعدِقَاءِ الشعب السوريّ.

فمزّقها الحمار بلَبطَةٍ من حَافِرِه: – تلك أصلُ البلاء، تعِدُكُم بِتِرياقِ الحريّة ولا تمنع عنكم سمَومَ الاستبداد.

أشار جحا بإصبعه: – وتلك فرنسا

نهق حمارَويه: – تُثَرثِرُ بأكثرَ ممَّا تفعل.

قال جحا مشيرًا إلى جزيرةً لا تغيبُ عنها الشمس: – وتلك بريطانيا.

نَهقَ حِمارَويه: – يَعشَى فيها النظر؛ لكثرة الضباب في سياستها منذ لورانس العرب، وهذه ألمانيا التي تقودها امرأةٌ من حديدِ سياراتِ المرسيدس، وهذه إسبانيا، وإيطاليا، واللوكسمبورغ و…

ثم مَزَّق بِلَبطَةٍ من حوافره كلّ الاتحاد الأوروبيّ، وأردفَ يسألُ:

– وما هذه البقعة الممتدة من البحر إلى البحر؟

قال جحا وهو يغصُّ بالحروف ما بين لَهَاتِهِ وشفتيه: – الوطن العربي.

فمزّقها الحمار بلبطةٍ من حافره: – هؤلاءِ الإخوةُ الأعداء، وهًمُ أسوأ من الأعدِقَاءِ خُلُقًا، وأكثرُ شعوبِ الأرض جَعجَعةً بلا طَحنٍ وبلا طحين، يتفرّقونَ ولا يجتمعون؛ غساسنةُ مع بيزنطة، مَنَاذِرَةٌ مع كِسرى، يأكلونَ ما لا يزرعون، ويلبسونَ ما لا ينسجون، يُكدِّس حُكّامُهم الأسلحةَ لرَدعِ شعوبِهِم عن عروشِهِم، شهواتُهُم في بطونِهِم وما تحتَ البطون، يستوردونَ كلّ نفاياتِ الأرض: من الإبرةِ إلى بيضِ السمك، ومن الفياغرا إلى الآيفون، يكذبونَ إذا صَدَقُوا، وينقلبونَ إذا عاهدوا، الفسادُ بينهم ذكاءٌ وشطارة، الاستبداد مقيمٌ بينَهُم وفِيهُمُ، يتوارثونَهُ جيلًا بعدَ جيل، أسوأٌ امّةٍ أُخرِجَت للناس، وهُمُ مِن أُمّةِ اقرأ، ولا يقرؤون، فإذا قرؤوا؛ لا يَفقَهُون.

ثم أخذ يلبِطُ الخارطةَ حتى مزَّقها، يلتهمُ ما تبقّى ولمّا يتمزّقَ: إيرانَ والصينَ وروسيا والهندَ والبرازيل، ثمّ حَلَّى أضراسَهُ بجمهورية كوريا موريا الملكيّة الاشتراكيّة الوراثيّة، وجحا في دهشةٍ من هذا الصباح الأطلسيّ، فلمّا عَلَكَ حِمارُهُ أخرَ فَتفوتَةٍ من الخارطة، تجشّأ، ثم تمطّى وهو يَنهَقُ مُستَمتِعًا بفُطُورِه.

ثمّ أنهُ قد غًصَّ مِمَّا أكَل؛ فشربَ ماءَ السَطلِ كلّه، فلمّا استدارَ نحو صاحبه جحا؛ أحسَّ بِدُواٍر غريب، ثمّ أخذَ يختلِجُ وارتفعَت حرارَتُه؛ فسأله جحا:

–  ما جرى لك.. حتى أنَّ وجهكَ قد صار كُحلِيًا؟.

تحشرَجَ حِمَارَويه: – أُحِسُّ بأسياخَ من نارٍ في معدتي، بِدُوَارٍ وغثيااااااااااااااااانٍ.

فما كادَ يُكمِلُ؛ حتى تقيّأ دولًا، تقيّأ حكوماتٍ وحكّامًا، جيوشًا وعروشًا، مُرتزقةً يقتلون الناسَ بالقنّاصَاتِ وبالسكاكين، تقيّأ سجونًا وسجَّانين، شبّيحةً وبلاطِجةً ومُعفِّشين، تقيّأ مُعتِلِفينَ غيرَ مُؤتَلِفِين، سماسرةَ دُنيا ودِين، أمراءَ حربٍ ومُعَارِضِين ومُعَارِصِين، لصوصَ مُساعداتٍ وأدويةٍ وبَطَاطِين

ظلَّ يتقيّأُ حتى كادت معدَتُهُ أن تَخرُجَ من فمه، وجحا مُمسِكٌ بتلابيبهِ حتى هدأ، يمسحُ له فمَهُ بماءِ الوَرد، ويَربِتُ على رأسِهِ:

– اصمد يا حماري؛ فما أكلَ أحدٌ أطلسَ هذا العالم ونَجَا من سُمُومِه.

فانتفض الحمار من بين يديه، عَنطَزَ عَنطَزةً عظيمةً ارتجَّت لها الأرضُ، ونَهَقَ كما لم ينهق منذ ولادته، صارخًا:

–  تبًا لكم ولمؤتمراتكم، لائتلافاتكم ولهيئاتِكُم، لأحزابِكُم ولجماعاتِكم، لتياراتكم ولأمراء المُوك والتُوك تُوك، لجينيف وتورا بورا، لأوسلو وكامب ديفيد.، تبًّا للكرملين والبنتاغون.

ثمّ استدار تاركًا صاحبه في حِيرةٍ عُظمَى؛ حتى ناداهُ جحا: – إلى أين؟!.

فصرخَ حمارُهُ: – ذاهبٌ لأرفسَ ابنَ آلِ الوحشِ وَحدِي؛ لا يَفُلُّ حَدِيدَ الاستبدادِ إلا حَدِيدُ حَوَافِرِي.

*- من حكايات جحا السوري وحماره وقراقوش.

عن موقع جيرون :  http://www.geroun.net

 

شاهد أيضاً

ماذا يبقى من بلد يحكمه زحفطون قاتل؟

…. / الكاتب : أنور يونان   1 – شاهدهم الأديب اللبناني الراحل سعيد تقي …

“إله” سبينوزا الذي آمن به أينشتاين

…. / الكاتب : باروخ سبينوزا (1632 – 1677 م.) (- هل تؤمن بالله ؟.. …

برنامج المسلخ السوري ليوم 2 -2-1982

…. / الكاتب : سمير صادق تمثل الحالة السورية وضعًا سلطويا  يمكن وصفه  بارعاب وارهاب  …

الربيع العربي: من رُهاب الواقع إلى أفق المستقبل

…./ الكاتب:  خالد الحروب الانحياز للثورات العربية، رغم كل ما فيها من اختلالات ومغامرات ومخاطرات، …

كيف لو تمكنوا !

…./ الكاتب:  فاتح بيطار من يعود  الى  فلسفة  الاخوان  ودساتيرهم  التي وضعها   الأب المؤسس  حسن  …

من خنوع القرون الأربعة الى خنوع العقود الأربعة

…./ الكاتب:  سمير  صادق كيف يمكننا تفسير حالة “الاستكانة” التي مارسها العقل العربي طوال ٤٠٠ …

لعنـة الأسد

الكاتب : د. برهان غليون لم يدهشني أبدا استئناف بعض الحكومات العربية، وعلى رأسها الإمارات …

باب الحارة … زعامات وشوارب دمشقية

الكاتب : د. كمال اللبواني رغم أن العامة هي من تصنع التاريخ بكدها ودمائها ، …

الاستهتار بالعلم، لعبة الإسلام السياسي

الكاتب : علاء الدين الخطيب أذكر مرة وأنا في بداية المرحلة الجامعية، أن حادثة حصلت …

الجندر، الجنسانية، السلطة

…. / بقلم :  كـرم  نشـار في العشرين من شهر تشرين الأول الماضي، قُتلت صبية …

الهوس بالجنس في بعض كتب التراث الإسلامي

  /….بقلم د. عماد بوظو عند شعوب الشرق هناك ثلاثة مواضيع محرمة يفضل عدم التطرق …

قانون ساكسونيا

….. / الكاتب : أنور يونان 1 – قبل عدة  سنوات، قبل الثورة،  قام  الأمير …