الرئيسية / سياسة / الدين والديموقراطية في الوعي العربي

الدين والديموقراطية في الوعي العربي

…… / الكاتب : ممدوح بيطار

جوهر  الدين  هو  المقدس   ,  الذي   يشتق  منه   في  الحياة  العملية   موقف  آخر   يقوم  على  أساس  التكفير, وذلك   لاعتقاد   الدين   بصحته , وبالتالي   خطأ    الدين    الآخر ,  مهما  كان  هذا  الدين   الآخر  …  اليهود  والنصارى   كفرة  وضالين   مهما  فعلوا .

يحمل    المقدس  قيمة  تفاعلية  سلبية  تجاه  الآخر   ,  ليس  فقط  في  المجال  الديني  ,  انما  في   جميع  المجالات  الأخرى     حتى   الدنيوية  منها ,  خاصة  عندما       تشمل  اهتمامات  هذا   الدين   المجال  الدنيوي   ,  كالاسلام  على  سبيل  المثال .

جوهر   الديموقراطية  هو   ادارة   علاقات   السيطرة ,    ادارة   تنبع   من   الحكم  وتتوجه  اليه   وتقوم   بتنظيم  الحياة   السياسية  ,  التي  تترجم  الحياة  الاجتماعية ,  عمليا يريد  الدين , الذي  يعتبر  نفسه   دولة  او  على  الأقل  مصدر  تشريع  هذه  الدولة,  كما  يعيه  الناس ,   القيام   بمهمات  نظيرة   لمهمات  الديموقراطية ,  الا  انها  وللعديد  من  الأسباب   مختلفة  عنها   لابل  ضدية  لها   او  تعاكسها ,  ففي  حقبات   معينة  أفرز  الدين  نظما    سياسية, ومثل    الجوهر  الايديولوجي  لهذه  النظم   ,   كانت   هذه  النظم    ببعدها  الميتافيزيقي  الديني  ,   ودون  اي  استثناء   نظما  استبدادية   شمولية ,  مارست   الخصومة  داخليا  وخارجيا   , مما     أهلها   لحمل  لقب   نظم  الحروب  والتحارب  والخصومات ,

الدين  والديموقراطية   ينتميان  الى   بنيتين   فكريتين   مختلفتين   بالمطلق  ,  لايلتقيان   عندما  يعملان     في  نفس  المجال   ,  مثل    مجال   الحكم  ,  لايتعاونان  ولا  يمكن   أن  يكون   التعاون   مضمونا   لممارستهم   في  نفس  المجال ,   التنازع   ومحاولة  الغاء  الآخر  واقصائه  هو   صيغة  التفاعل  بينهما   ,  لذا   لايعرف    الدين      المتجوهر  سياسيا    سوى   العداء  للديموقراطية , وبالتالي   محاولة  اغتيالها ,  لا  سلام  بين  الدين  والديموقراطية  , سوى   بالتزام  كل منهما   في   فضائه   الخاص  به   ,    خروح  الدين  من  فضائه  التعبدي    ليس  الا   اعلانا  للحرب  على  الديموقراطية  , أي  على  حياة  الناس   المدنية  وعلى    ادارة   هذه   الحياة.

بالرغم  من  الضدية  بين  الدين  والديموقراطية ,  حاول   بعض   المفكرين  النهضويين   المسلمين    ايجاد  نوع  من  التزاوج   بين  الفكر  النهضوي   الأوروبي  الديموقراطي  وبين   الفكر  الاسلامي ,   تحقق   قدر  ضئيل  جدا من  النجاح  على  يدهم  , ولكن      التزاوج الواهي   أخذ   يتفكك  مع  ولادة  وانتشار  الاسلام  السياسي   في  النصف  الأول  من  القرن  العشرين  , ليصل   حد  القطيعة   في  النصف  الثاني  من   ذلك  القرن .

بدءا  لم  يجد    المفكرون   الاسلاميون   صعوبات  جدية   في  مقابلة  الشورى  مع  الديموقراطية   الليبيرالية كما  تمخض  عنها   التاريخ  الأوروبي ,   الا  ان  النجاح  كان  محدودا  جدا ,  لعدم  تمكن  مفهوم  الشورى  حتى   بقراءة   اجتهادية  جديدة   من   التلاؤم  في  الفكر  الديموقراطي  الليبيرالي ,  الشورى  غير  الديموقراطية , ولا   يمكنهما اللقاء ,  ولكي  يكون  هناك     قدرا  من  الاستقرار ,   لابد  من    الغاء  احدهما.

تنتمي  الشورى   في  المرجعية  الثراثية  الاسلاميبة   الى  مجال  الأخلاق , وليس  الى مجال  السياسة   ,  لذلك  ليست  شرطا  للحكم ,  وحتى  مقولة  “وأمرهم  شورى  بينهم ”   لاتنتمي  الى  السياسة ,  انما  هي  من  الصفات  الأخلاقية  التي  يجب  على   المؤمنين   التمتع    بها … وماجاء   بخصوص   الشورى  بعد  هزيمة  أحد كان  ظرفي  مرحلي   افرزته  الحاجة  الى  المشاورة   بعد  الهزيمة …لم  يكن  ركنا  ثابتا  ودائما  من  اركان  الاسلام .

في  سياق  اسلامي  آخر ,  اثبت  التاريخ   الاسلامي  بأنه  ليس  للخليفة   اي  مسؤولية  تجاه   من  بايعوه  ,  بل   أمام  الله  ,  اضافة  الى  ذلك   هناك   العديد  من  الآيات  التي  تؤكد  ذلك ,  وتطالب  الناس  طاعة  الحاكم ….”وأطيعوا  الله  ورسوله  وأولي  الأمر  منكم “,  وهكذا   اصبح  في  التكوين  النفسي   للعرب  المسلمين   نوعا  من  الاستعداد    والقبول   بالحاكم   ظالما  كان  او  عادلا .

هناك  ظروف  وعوامل   ساعدت   علىى  ترسيخ   قبول   الحاكم   المطلق  مثل  تجنب  الفتنة  ,  وهذا   بقي  هذا  الاستعداد   سائدا  في  التكوين  النفسي   للانسان  العربي  المعاصر , وفي  ثقافته  وخطابة  الايديولوجي  والسياسي  وفي  علاقاته   الاجتماعية  على  مختلف  المستويات  ,  كل  ذلك  قاد  الى    ضعف  الوعي  الديموقراطي   عند  العرب  المسلمين    الى  حد  انعدامه , .

لاتغير   المثاقفات  والمحاولات   الحالية   لابراز   حضور  الديموقراطية  في  الوعي  والممارسة   العربية-الاسلامية   من  هذا  الواقع  بشيئ  يذكر ,  الديموقراطية  ليست  أصيلة  او  متأصلة  في  الوعي , وفي  الثقافة  العامة , ولا  في  الحياة  اليومية  او  الحياة  السياسية , وبالنتيجة  لا  فرق  بين  معارضة وموالاة   ,  فكل  منهما   وجها  للآخر …!

شاهد أيضاً

ماذا يبقى من بلد يحكمه زحفطون قاتل؟

…. / الكاتب : أنور يونان   1 – شاهدهم الأديب اللبناني الراحل سعيد تقي …

“إله” سبينوزا الذي آمن به أينشتاين

…. / الكاتب : باروخ سبينوزا (1632 – 1677 م.) (- هل تؤمن بالله ؟.. …

برنامج المسلخ السوري ليوم 2 -2-1982

…. / الكاتب : سمير صادق تمثل الحالة السورية وضعًا سلطويا  يمكن وصفه  بارعاب وارهاب  …

الربيع العربي: من رُهاب الواقع إلى أفق المستقبل

…./ الكاتب:  خالد الحروب الانحياز للثورات العربية، رغم كل ما فيها من اختلالات ومغامرات ومخاطرات، …

كيف لو تمكنوا !

…./ الكاتب:  فاتح بيطار من يعود  الى  فلسفة  الاخوان  ودساتيرهم  التي وضعها   الأب المؤسس  حسن  …

من خنوع القرون الأربعة الى خنوع العقود الأربعة

…./ الكاتب:  سمير  صادق كيف يمكننا تفسير حالة “الاستكانة” التي مارسها العقل العربي طوال ٤٠٠ …

لعنـة الأسد

الكاتب : د. برهان غليون لم يدهشني أبدا استئناف بعض الحكومات العربية، وعلى رأسها الإمارات …

باب الحارة … زعامات وشوارب دمشقية

الكاتب : د. كمال اللبواني رغم أن العامة هي من تصنع التاريخ بكدها ودمائها ، …

الاستهتار بالعلم، لعبة الإسلام السياسي

الكاتب : علاء الدين الخطيب أذكر مرة وأنا في بداية المرحلة الجامعية، أن حادثة حصلت …

الجندر، الجنسانية، السلطة

…. / بقلم :  كـرم  نشـار في العشرين من شهر تشرين الأول الماضي، قُتلت صبية …

الهوس بالجنس في بعض كتب التراث الإسلامي

  /….بقلم د. عماد بوظو عند شعوب الشرق هناك ثلاثة مواضيع محرمة يفضل عدم التطرق …

قانون ساكسونيا

….. / الكاتب : أنور يونان 1 – قبل عدة  سنوات، قبل الثورة،  قام  الأمير …